الجمعة، 29 أكتوبر 2010

وزير العدل والحلم الوردي


عبدالله الجميلي
قال الضَمِير المُتَكَلّم: عزيزي القارئ عزيزي المواطن؛ فضلًا وكرمًا؛ أرجوك خذ نفسًا عميقًا، وأرجوك أن تَتَخَيل الآن ولِبِضع دقائق، أنك تعيش في جزيرة خضراء تحتضنها مياه البحر، وبلطف تُداعِـب بأمواجها الهادئة شواطئها الرملية الذهبية، تخيل أن حبات من المطر المعطر بشذى الورود تسقط الآن من السماء لتقبِل وجْنتيك، وتغسل من قلبك الطيب هموم الدنيا (ولا سيما وقد اكتملت الصورة «الماء والخُضْرَة، و...»)؛ نعم إنك الآن تستمع لِتغريد العصافير وهي تنشد لك أهازيج الفرح، وتلك الشمس تُلَوِّح لك مودعة قبل غروبها، وفي هذه اللحظات لُطْفَا اِحْمِـل معك حلمك الوَرْدي هذا إلى وزارة العدل وإحدى محاكمها:
* القضايا لا تتأخر في المحاكم أشهرًا، وأحيانًا سنوات؛ فأنت قد أُحِيْلَت قضيتك لمحكمة ما (اليوم)، وذهبت إلى مكتب القاضي بعد الظهر، واستقبلك مدير مكتبه، ورَحب بك، وقدم لك شيئًا من القهوة بالزعفران، واعتذر لك؛ لأنك تأخرت، وهنا وعَـدك بالجلسة غدًا الساعة الثامنة صباحًا!
* القَضاة لا يتأخرون في الدوام، ولا يؤجلون القضايا أبدًا أبدًا أبدًا (وهذا نفي مؤكد)؛ فأنت قد حضرت عند الساعة الثامنة وخمس دقائق، فوجدت فضيلة القاضي ينتظرك عند باب مكتبه بابتسامته الجميلة ورائحته العُوْدِيّة الزكية!
* القاضي لم يكن قاسيًا مقّطّب الجبين، ولم يهددك لو ناقشته بالحبس (أربعًا وعشرين ساعة)، بل كان كعادته لطيفًا مرحًا مع جميع الخصوم!!
* بعد ساعة من دخولك للجلسة خرجت وقد صدر الحكم؛ وها أنت تردد في نفسك أشكرك يا الله فأعداد القضاة عندنا مناسبة بل هي من أعلى المعدلات في العالم، وكل من يتحدث عن قلة القضاة عندنا فقد جانبه الصواب!
* جميع القضاة عندنا (نعم) جميعهم منزهون عن الخطأ ولله الحمد؛ وما يحصل من تجاوزات نادرة جدًا جدًا؛ فهي أخطاء عفوية بحسن نية؛ ولكن الإعلام –ولاسيما الكتاب– يُبالغون هداهم الله.
أعزائي هذا الحلم الـوردي استمتع به كل من استمع لمحاضرة معالي وزير العدل في الجامعة الإسلامية يوم الثلاثاء الماضي؛ حيث نفى معاليه (تأخر القضايا، وقلة عدد القضاة) كما نفى اختلاف الأحكام بين القضاة مع اتحاد مسوغات القضايا، وأكد أن القضاة لا يخطئون إلا نادرًا وإذا حصل فهو بحسن نية، وعاتب الكتاب الصحفيين بأنهم يظنون ويبالغون)؛ وهنا يبدو أن وزير العدل لم يتحدث عن واقع القضاء الذي يعيشه المواطن داخِل أروقة المحاكم كل يوم؛ بل كان معاليه يرسم صورة مثالية يرجو أن تتحقق في المستقبل؟! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة.

ليست هناك تعليقات: